يتفق
الناس حول العالم على اختلاف منابتهم وألوانهم على حبهم للقهوة، ذلك
المشروب البني برائحته العبقة. فالألماني مثلاُ يرتشف 150 لتراً منه
سنوياً. فهل يشكل هذا خطراً على صحته أم بالعكس؟
من
منا لا يعرفها؟ تلك الرائحة اللذيذة المتصاعدة من فنجان القهوة الساخن في
الصباح الباكر. سواء كانت قهوة عربية أو تركية أو نسكافيه أو غيرها. كثيرون
لا يبدءون يومهم من دونها، ويعون السبب وراء حبهم لهذا المشروب بنكهته
الزكية وتأثيره الإيجابي على الجسد والروح. " يحفز الكافيين الجهاز العصبي
بشكل تنشط من خلاله عضلة القلب، والذي يؤدي بدوره إلى تقوية التروية
الدموية في الدماغ وإمدادها بكمية أكبر من الأكسجين. وهو ما يدعم الإحساس
بالصحة والقدرة على التفكير"، يوضح عالم العقاقير كونو غوتلر من العيادات
الجامعية في كولونيا.
ليس
هذا كل ما في القهوة من إيجابيات، فللقهوة تأثير جلي في القضاء على الصداع
النصفي، حيث تتوسع الأوعية الدموية في المستقبلات العصبية للدماغ، ما يؤدي
إلى انخفاض ضغط الدم وتزايد الضغط على جدران الأوعية الدموية. " وفي
المقابل، يحفز الكافيين على تضييق الأوعية الدموية في الدماغ، ما يؤدي إلى
تسريع جريان الدم وإكماله دورته بسرعة أكبر"، وفقاً لغوتلر. لكن تأثير
الكافيين لا يساعد في الحالات الشديدة من الصداع النصفي. كما أن ذلك يعني
الاعتماد على استمرار استهلاك الكافيين لتضييق الأوعية الدموية، فإذا توقف
استهلاكه تعود الأوعية الدموية إلى التوسع ويجد الصداع طريقه مجددا إلى
الرأس.
لماذا نتوقف إذن عن ارتشاف القهوة؟
عالم العقاقير كونو غوتلر من العيادات الجامعية في كولونيا
تنتج
نبتة القهوة الكافيين لإبعاد الحشرات عن شتلاتها بالأصل، فهو في مثابة
مادة سامة لهم. أي أن الهدف من الإنتاج الطبيعي للكافيين ليس تحقيق الشعور
اللذيذ لدى البشر عند ارتشافهم للقهوة. غيرأن الأطباء والباحثين لهم رأي
آخر في هذا الشأن، إذ يجدون القهوة غير صحية، فالكافيين يحفز إنتاج
الأدرينالين في الغدة الكظرية ويوتر الجسم في حالة الاستهلاك المستمر
للقهوة. وتماماً كما في حالات الخطر، يتزايد الشد العضلي ويرتفع مستوى
السكر في الدم ونبضات القلب والتنفس لإمداد الجسد بطاقة أكبر، ما قد يؤدي
على المدى البعيد إلى إرهاق الغدة الكظرية والتأثير سلبياُ على الدورة
الدموية المرتبطة بنبضات القلب مباشرة.
خلافاً
للتأثير الخارجي الذي يستمتع به شارب القهوة، فإن تأثيرها الداخلي على
الجسم يبدو سلبياً في واقع الأمر. ويشير غوتلر إلى أن الـتأثيرات السلبية
للكافيين قد تكون مرتبطة بالاستعداد الجيني لمرتشف القهوة: " يرتبط
الكافيين بإنزيم سيتوكوم بي ون أي تو CYP12والذي لا ينشط لدى كافة البشر
بنفس الدرجة. ويعني أن البعض لا يمتص جسمهم للكافيين بسرعة تكافئ الآخرين.
وهذا بدوره يبطئ تأثير الكافيين في الجسم ويديمه فترة أطول. ولذا فإن هذا
النوع من مرتشفي القهوة قد يعانون من تسارع غير منتظم لنبضات القلب". على
الصعيد الآخر، فإن هناك أيضاً أناس ينتجون كميات كبيرة من هذا الإنزيم ولذا
فإن الآثار السلبية للقهوة تبقى مرتبطة إلى حد كبير بالشارب للقهوة نفسه
وجسده. فيؤكد عالم العقاقير على أن "التأثير السلبي للقهوة مناط بالكمية
وحدها"، وتنعدم هذه التأثيرات عند ارتشاف كمية تقل عن 0,6 لتر من القهوة
يومياً.
تأثيرات إيجابية محتملة
يعد
مشروب القهوة أحد أكثر المشروبات التي يتناولها العلماء في دراساتهم بسبب
تأثيراته العديدة على الأعضاء البشرية. وتشير الكثير منها إلى تأثيرات
إيجابية للقهوة على المدى البعيد، فتقلل من احتمالية الإصابة بالنمط الثاني
من السكري، أي سكري الكبار، ويحمي إلى حد ما من مرض بركنسون وألزهايمر.
ويعود الفضل في هذه التأثيرات إلى الكافيين والمواد المضادة للأكسدة في
القهوة والتي تعمل على تثبيط نشاط الخلايا الجذرية في عمليات الأيض
والتأثير على وظائف الخلايا المتعددة. حول ذلك يقول غوتلر "بالطبع لأجسادنا
أنظمة طبيعية مضادة للأكسدة، إلا أن من المفيد توفر مثل هذه المواد
الداعمة من خلال شرب القهوة".
ويبقى
السؤال ما إذا كانت القهوة مفيدة أم مضرة للجسم طارحاً نفسه دون إجابة
واضحة، إلا أنه من الجلي أن وجوب التخلي عن متعة شرب القهوة صباحاً ليس
وارداً.
ليست هناك تعليقات :